وبأمر من الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتسلم السدانة كسوة الكعبة سنوياً، ويتولون تركيبها وتنظيف الكعبة ، فقد قال رسول الله منذ سلمهم مفتاحها "خذوها يابني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم".
فقد جرت العادة على أن يتم فى هذه الأيام سنويا تسليم الكسوة الخارجية للكعبة لكبير سدنة بيت الله الحرام وهم من آل الشيبي، في احتفال يقام بمقر مصنع الكسوة بمنطقة أم الجود في مكة المكرمة، تمهيدا لتركيبها يوم وقفة عرفات.
الكسوة قبل الرسول
ويعود تاريخ صناعة كسوة الكعبة إلى ما قبل الإسلام ، لكونه مظهراً من مظاهر تبجيل وتعظيم بيت الله ، وترجح المصادر أن سيدنا إسماعيل عليه السلام هو أول من كسا الكعبة ، وقيل إنه عدنان بن أد، حفيد نبي الله إسماعيل .
وتؤكد الكثير من المصادر أن أول مَن كساها هو "تبع أبي كرب أسعد" ملك حمير سنة 220 قبل الهجرة ،حيث كان اول من كساها كاملة .
وكانت قريش تقوم بكسوة الكعبة أيضاً حيث كانت تقدر بعضا من المال على القبائل بقدر احتمالها، في عهد "قصي بن كلاب" حتى جاء "أبو ربيعة بن المغيرة المخزومي"، وكان من الأثرياء فقال لقريش: "أنا أكسو الكعبة وحدي سنة، وجميع قريش سنة"، وظل يكسو الكعبة، إلى أن مات، فكانت قريش تلقبه بـ"العدل" وذلك لأنه كان يعدل قريشا وحده في كسوة الكعبة.
الكسوة فى عهد الرسول
قطعة من الكسوة تعود لعام 1858
وبعد فتح مكة أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتطهير الكعبة من الأصنام وكساها بكسوة من اليمن، ولم يكن للكعبة في عهد النبي سور يحيط بها، بل كانت بيوت أهل قريش تحيط بها ، ولم تشهد الكعبة اى تغيير فى عهد الرسول ولا في عهد أبي بكر الصديق-رضي الله عنه-، بينما طالب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أهل قريش أن يفسحوا مكاناً لتوسيع المطاف وذلك بشراء منازلهم المطلة على الكعبة، عندما ضاقت مساحة المطاف حول الكعبة بسبب زيادة أعداد المسلمين الآتين للحج .
فلما رفضت قريش ذلك نزع ملكيتها ووضع الأموال في بيت المال لمن يطلبها وهدمت البيوت المحيطة بالمطاف القديم ووسعت مساحة المطاف الذي يحيط بالكعبة، وقام ببناء سور حتى لا تزحف بيوت قريش مرة أخرى على المطاف الذي يحيط بالكعبة ، وتم ذلك في السنة السابعة عشر من الهجرة .
وفى عهد الخليفة عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- حظيت مصر بشرف صناعة كسوة الكعبة ،حيث تم احاكة الكسوة بالقماش المصري المعروف باسم " القباطي" ، ومع انتقال العاصمة في مصر من مدينة إلى أخرى تعددت أماكن صناعة الكسوة ، إلى أن انتهى الأمر إلى مدينة القاهرة .
وشهد عام 1233 هجرياً تأسيس دار كسوة الكعبة بحي " الخرنفش" في القاهرة ،ومازالت هذه الدار قائمة حتى الآن وتحتفظ بآخر كسوة صنعت للكعبة المشرفة داخلها.
كسوة الكعبة فى السعودية
وشهد عام 1346 هـ الموافق 1926 م انشاء أول مصنع أقيم لكسوة الكعبة فى السعودية بعد أن تولت المملكة شرف صناعتها ، حيث أصدر الملك عبدالعزيز بن سعود أمراً ملكيا بتشييد مصنع أم القرى للكسوة الشريفة، وجلب له فنانون وعمال مهرة.
واستمر المصنع فى العمل الى أن تم نقله إلى المصنع الحالى الموجود في أم الجود بمكة المكرمة ، والذى يشتمل على ستة أقسام هي الحزام والنسيج اليدوي والصباغة والنسيج الآلي والطباعة والستارة الداخلية.
وفى شهر ذى الحجة من كل عام يقوم الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بتسليم كسوة الكعبة المشرفة لكبير سدنة بيت الله الحرام الشيخ عبد العزيز الشيبى، ليتم تركيبها على الكعبة المشرفة في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة بدلا من الكسوة الحالية.
ويتم خلال هذه المناسبة التوقيع على إجراءات الاستلام والتسليم من قبل الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي وكبير سدنة بيت الله الحرام وذلك بمقر مصنع الكسوة بأم الجود .
وتبلغ تكلفة انتاج الكسوة بين 17 و 20 مليون ريال سنويا، وتصنع من الحرير الطبيعى الخاص الذى يتم صبغه باللون الأسود ويبلغ ارتفاع الثوب 14 مترا ويوجد فى الثلث الأعلى منه الحزام الذى يبلغ عرضه 95 سنتيمترا وبطول 47 مترا والمكون من ستة عشر قطعة محاطة بشكل مربع من الزخارف الاسلامية.
كما توجد تحت الحزام آيات قرآنيه مكتوب كل منها داخل اطار منفصل ويوجد فى الفواصل التى بينها شكل قنديل مكتوب عليه عبارات "يا حى يا قيوم"، "يا رحمن يا رحيم"، "الحمد الله رب العالمين"، ومطرز الحزام بتطريز بارز مغطى بسلك فضى مطلى بالذهب ويحيط بالكعبة المشرفة بكاملها.
محتويات الكسوة
تشتمل الكسوة على ستارة باب الكعبة ويطلق عليها "البرقع" وهى مصنوعة من الحرير بارتفاع ستة أمتار ونصف وبعرض ثلاثة أمتار ونصف مكتوب عليها آيات قرآنية ومزخرفه بزخارف إسلامية مطرزه تطريزاً بارزاً مغطى بأسلاك الفضة المطلية بالذهب.
وتتكون من 5 قطع تغطى كل قطعة وجها من أوجه الكعبة المشرفة والقطعة الخامسة هى الستارة التى توضع على باب الكعبة ويتم توصيل هذه القطع مع بعضها البعض.
تمر صناعة الكسوة بعدة مراحل هى مرحلة الصباغة ومرحلة النسيج ومرحلة الطباعة ثم مرحلة التجميع كما ينتج المصنع الكسوة الخارجية والداخلية للكعبة المشرفة بالاضافة إلى الأعلام والقطع التى تقوم الدولة باهدائها لكبار الشخصيات،
ويستبدل ثوب الكعبة مرة واحدة كل عام فيما يتم غسلها مرتين سنويا الأولى في شهر شعبان، والثانية في شهر ذي الحجة، ويستخدم في غسلها ماء زمزم، ودهن العود، وماء الورد، ويتم غسل الأرضية والجدران الأربعة من الداخل بارتفاع متر ونصف المتر، ثم تجفف وتعطر بدهن العود الثمين، وهذا الطِّيب يقدم هدية من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز.
أماكن حول الكعبة
وتعد كسوة الكعبة من الأجزاء الهامة بالمسجد الحرام بالإضافة الى العديد من الأجزاء الأخرى والتى منها :
المطاف وهو البقعة التي تحيط بالكعبة، وهو مكسو بالرخام، والحجر الأسود وموقعه بالركن الجنوبي الشرقي من الكعبة، وتعود أهميته أنه من وضع سيدنا إبراهيم (عليه السلام) جعله بالكعبة ليبدأ الحجاج الطواف من عنده فلا يحدث تقابل أو اضطراب.
وكذلك يوجد الشاذروان وهو جدار يلاصق جدار الكعبة مكسي بالرخام ارتفاعه حوالي 50 سم، وأصل الشاذروان هو الأرض التي أنقصتها قريش من عرض جدار أساس الكعبة حين أعيد بناؤها وقت قصي بن كلاب.
ويوجد الملتزم الذى يقع بين الحجر الأسود وباب الكعبة ويسمى بالملتزم لأن الحاج يلتزم هذا المكان للدعاء فيه، وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يدعو منه.
وهناك أيضاً مقام إبراهيم وهو مكان الحجر الذي قام عليه سيدنا إبراهيم عند بنائه للكعبة وصلى فيه، وقد ورد في القرآن الكريم "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" ويقع إلى جهة الشرق من الكعبة.
كيس مفتاح الكعبة
وبتسليم كيس مفتاح الكعبة تكتمل الكسوة المشرفة ، يكتب على هذا الكيس الآية القرآنية "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها" وهذه الآية المكتوبة علي أحد وجهي الكيس وعلي الوجه الآخر الآية الكريمة "إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم" صدق الله العظيم.
ونزلت هذه الآية "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها" بعد أن رد النبي "صلي الله عليه وسلم" مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة بعد أن أخذه منه عمر بن الخطاب وقال عليه السلام : خذوها يا بني طلحة خالدة إلى يوم القيامة لا ينزعها منكم إلا ظالم.
ويوجد بدار الخرنفش فى القاهرة آخر كيس لمفتاح الكعبة صنعته مصر عام 1962 ميلادية ، وهو مكتوب بالمخيش الفضي والذهبي وزركشته لم تختلف كثيرا حيث حدثت به بعض التغييرات الطفيفة مثل استخدام النقط بدلا من الوردة.
وبهذا يتجمل بيت الله لاستقبال زواره لآداء فريضة الحج التى فرضها المولى لمن استطاع إليه سبيلا، ليقيموا شعائر الحج وسط الحرم المكى.
الأربعاء أغسطس 12, 2009 10:58 pm من طرف rozita2
موضوع: كسوة الكعبة!! 
