من حكايا العرب ........

54 ـ إنجاب غريب

جاء رجل يشكو إلي قراقوش أن زوجته قد ولدت طفلاً بعد ثلاثة أشهر من زواجه بها . . فقالت الزوجة :
إنه يتهمني بالخيانة يا سيدي . . فأنا تزوجته من ثلاثة أشهر . . والطفل مكث في بطني ثلاثة أشهر فيكون المجموع ستة أشهر ، لا ثلاثة كما يقول
فقال قراقوش : اذهب يا معتوه ، تتهم المرأة في شرفها بعد كل الي سمعته

55 ـ الله يعطيك

شكا متسول لقراقوش أن رجلا بخيلاً لم يعطه شيئاً عندما سأله خبزاً وقد كان جائعاً ، فقال قراقوش للسائل :
ـ ماذا قال لك البخيل عندما سألته خبزاً ؟
فقال السائل : قال لي : الله يعطينا ويعطيك
فالتفت قراقوش للبخيل وقال له :
ـ أما اكتفيت يا رجل ، أنك حرمته من الخبز والنقود ، وتشاركه في الدعوة لله .. خذوه وضعوه في السجن حتى لا ينال من الدعوة شيئاً

56 ـ الحل الصحيح

جاء رجل إلي قراقوش يشكو داراً كان قد اشتراها من ساكن قديم بها ، حيث وجد بها مجموعة من الفئران ،، فأخذ قراقوش يفكر ثم قال :
ـ اصبر شهراً آخر فإن لم يطالب بها الساكن القديم ،، صارت الفئران ملكك !!

58 ـ انكسر الدينار

وفد رجلان أمام قراقوش أحدهما يتهم الآخر بأنه استولي علي دينار يخصه وقع منه بالطريق والتقطه الأخر ، فسأل قراقوش الرجل :
ـ هل عثرت حقاً علي دينار هذا الرجل بالطريق ؟ ولم ترده إليه ؟
فأجاب الرجل : نعم يا سيدي عثرت علي دينارٍ بالطريق ولكنه لا يخصه إذ إن الدينار الذي وجدته عبارة عن قطعتين كل منهما نصف دينار وهو يقول إن ديناره قطعة واحدة
فردَّ قراقوش : أعطه النصفين يا رجل ،، من الجائز أن الدينار عندما سقط علي الأرض انكسر قطعتين

59 ـ فائدة الإسهال

فُقد لفلاح حمار في حر الصيف ورابعة النهار ، وحاول أن يجده فلم يفلح حتى أنهكه التعب ، فذهب إلي قراقوش ، فرأي علامات التعب ظاهرة علي وجه صاحب الحمار
فأمر بإعطائه مُسَهِّل بالجبر والقوة ورميه بالشارع ، وبعد التنفيذ أخذ مفعول المُسَهِّل يعمل في بطنه ، فدخل احدي الخرائب فوجد الحمار ، فصاح فرِحاً : مُسَهِّلٌ بالإجبار ،، أوْجدَ الحمار

59 ـ فائدة الإسهال

فُقد لفلاح حمار في حر الصيف ورابعة النهار ، وحاول أن يجده فلم يفلح حتى أنهكه التعب ، فذهب إلي قراقوش ، فرأي علامات التعب ظاهرة علي وجه صاحب الحمار
فأمر بإعطائه مُسَهِّل بالجبر والقوة ورميه بالشارع ، وبعد التنفيذ أخذ مفعول المُسَهِّل يعمل في بطنه ، فدخل احدي الخرائب فوجد الحمار ، فصاح فرِحاً : مُسَهِّلٌ بالإجبار ،، أوْجدَ الحمار

60 ـ
[center][center]60 ـ صبور

وقفت زوجة دميمة أمام قراقوش وقالت :
ـ يا سيدي لقد حاول زوجي قتلي ولم يمض علي زواجنا عشرون يوماً
فنظر قراقوش إلي زوجها وقال :
ـ يحكم عليك بالسجن لصبرك عليها طوال هذه المدة

[/center]
[/center]
وقفت زوجة دميمة أمام قراقوش وقالت :
ـ يا سيدي لقد حاول زوجي قتلي ولم يمض علي زواجنا عشرون يوماً
فنظر قراقوش إلي زوجها وقال :
ـ يحكم عليك بالسجن لصبرك عليها طوال هذه المدة

61 ـ لا تخف
أهدي أحد الملوك ثلاثة أسود إلي قراقوش ، فأخذ قراقوش يفكر بمن سيروضهم من معاونيه ، فستقر رأيه علي خادم نحيف ضعيف ، فقال له الخادم :
ـ ولكنني لا أستطيع تروي مثل هذه الوحوش يا سيدي لأنها متوحشة وربما تأكلني
فقال قراقوش : ولهذا السبب اخترتك ، إن الأسود لو رأتك لتركتك لنحول جسمك ، أو ربما انتظرت حتى تسمن ، فلا تخفْ إذن ، إنها لن تأكلك

62 ـ التجربة خير برهان

قال قراقوش للمدعي :
ـ تقول : إن هذا الرجل صفعك أول صفعة ثم ماذا ؟
فقال المدّعي : ثم صفعته الصفعة الثالثة
فقال قراقوش : أنت تقصد الثانية !
فقال المدّعي : لا ، إنه هو الذي وجه إلي الصفعة الثانية
فقال قراقوش : أنا لا أفهم ما تقوله ، تعال أنت وهو لتصفعا بعضكما أمامي ، وعندها سأعرف من هو الجاني ومن هو المجني عليه

[center]63 ـ وفد الشكر والسلام

لما أفضت الخلافة إلي عمر بن عبد العزيز أتته الوفود للتهنئة ، وكان فيهم وفد الحجاز ، فنظر إلي صغير السن وقد أراد أن يتكلم ، فقال :
ـ ليتكلم من هو أسَنُّ منك ، فإنه أحق بالكلام منك
فقال الصبي : يا أمير المؤمنين ، لو كان القول كما تقول ، لكان في مجلسك هذا من هو أحق منك
قال : صدقت ، فتكلم
فقال : يا أمير المؤمنين ، إنا ما قدمنا عليك رغبة منا ولا رهبة منك ، أما عدم الرغبة فقد أمِنَّا بك في منازلنا ، وأما عدم الرهبة فقد أمِنَّا جورك بعدلك ، فنحن وفد الشكر والسلام
فقال له عمر : عِظْني يا غلام
[size=21]فقال : يا أمير المؤمنين ، إن أناساً غرهمْ حلم الله ، وثناء الناس عليهم ، فلا تكن ممن يغره حلم الله ، وثناء الناس عليه ، فتزل قدمك وتكون من الذين قال الله فيهم ﴿ ولا تكونوا كالذين قالوا سَمِعْنا وهُم لا يسمعون ﴾
فنظر عمر في سن الغلام ، فإذا له اثنتا عشر سنة ، فانشده عمر :
تَعَلَّمْ فَلَيْـــسَ يولَـــــدُ عالِمــــــاً
وليس أخو عِلْمٍ كَمضنْ هو َ جاهلُ
فإنَّ كبير القوم لا عِلْمَ عنْــدهُ
صغيرٌ إذا التفَّتْ عليهِ المحافِلُ

[/size][/center]

64 ـ جواب مفحم

دخل الوليد بن يزيد علي هشام بن عبد الملك ، وعلي الوليد عمامة مزخرفة ، فقال هشام :
ـ بِكمْ اشتريت عمامتك ؟
فقال الوليد : بألف درهم
فقال هشام متعجبا من ارتفاع ثمنها ، ومستنكراً هذا الثمن علي شراء عمامة :
ـ أتشتري عمامة بألف درهم ؟
فقال الوليد : يا أمير المؤمنين ، كيف تستكثر ألف درهم ثمناً لعمامة اشتريتها لأكرم أطرافي ، وأنت اشتريت جارية بعشرة آلاف درهم لأخس أطرافك !!

5 ـ عبد الملك وهند والحجاجحكي أن هند بنت النعمان كانت أحسن أهل زمانها ، فوصف للحجاج حسنها ، فأنفذ إليها يخطبها ، وبذل لها مالاً جزيلاً ، وتزوج بها وشرط لها عليه بعْد الصداق مائتي ألف درهم ، ودخل بها ، ثم إنها انحدرت معه إلي بلد أبيها المعرة ، وكانت هند فصيحة أديبة ، فأقام بها الحجاج بالمعرة مدة طويلة ، ثم إن الحجاج رحل بها إلي العراق ، فأقامت معه ما شاء الله ، ثم دخل عليها في بعض الأيام وهي تنظر في المرآة وتقول :

وما هندُ إلا مُهْــــــرةٌ عربيَّــــــةٌ
سليلَةُ أفْراسٍ تَحَلَّلهــــا بغـــلُ
فإن ولــــدتْ فَحْـــلاً فللَّه درُّهــــا
وإنْ ولَدَتْ بَغْلاً فجاءَ به البَغْلُ

فانصرف الحجاج راجعاً ، ولم يدخل عليها ، ولم تكن علمت به ، فأراد الحجاج طلاقها ، فأنفذ إليها عبد الله بن طاهر ، وأنفذَ معه مائتي ألف درهم ، وهي التي كانت لها عليه ، وقال :
ـ يا بن طاهر ، طلقها بكلمتين ، ولا تزد عليهما
فدخل عبد الله عليها ، فقال لها :
ـ يقول لك أبو محمد الحجاج : كُنْتِ فَبِنْتِ ، وهذه المئتا ألف درهم التي كانت لك عنده
فقالت : اعلم يا بن طاهر ، إنا كنا فحمدنا ، وبنا فما ندمنا ، وهذه المئتا ألف درهم التي جئت بها بشارة لك بخلاصي من كلب بني ثقيف
ثم بعد ذلك بلغ أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان خبرها ، ووصف له جمالها ، فأرسل إليها يخطبها ، فأرسلت إليه كتابا تقول فيه بعد الثناء عليه :
ـ اعلم ، يا أمير المؤمنين ، أن الإناء ولغ فيه الكلب
فلما قرأ عبد الملك الكتاب ضحك في قولها ، وكتب إليها يقول :
ـ إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً ، إحداهن بالتراب ، فاغسلي الإناء يحل الاستعمال
فلما قرأت كتاب أمير المؤمنين لم يمكنها المخالفة ، فكتبت إليه بعد الثناء عليه :
ـ يا أمير المؤمنين ، والله لا أحلُّ العقد إلا بشرط فإن قلت ما هو الشرط ، قلت : أن يقود الحجاج محملي من المعرة إلي بلدك التي أنت فيها ، ويكون ماشيا حافيا بحليته التي كان فيها أولاً
فلما قرأ عبد الملك ذلك الكتاب ضحك ضحكاً شديداً ، وأنفذ إلي الحجاج ، وأمره بذلك ، فلما قرأ الحجاج رسالة أمير المؤمنين أجاب وامتثل للأمر ، ولم يخالف ، وأنفذ إلي هند يأمرها بالتجهز ، فتجهزت ، وسار الحجاج في الموكب حتى وصل المعرة ، بلد هند ، فركبت هند في محمل الزفاف ، وركب حولها جواريها وخدمها ، وأخذ الحجاج بذمام البعير يقوده ، ويسير به ، فجعلت هند تتواغد عليه ، وتضحك مع الهيفاء دايتها ، ثم إنها قالت للهيفاء :
ـ يا داية ، اكشفي لي سجف المحمل
فكشفته ، فوقع وجهها في وجه الحجاج ، فضحكت عليه ، فقال :

فإن تضحكي مني فيا طولَ ليلةٍ
تَرَكْتُكِ فيها كالْقِبــاءِ المُفَرَّجِ

فأجابته بقولها :

ومـــا نُبالي إذا أرْواحُنـــا سَلِمَتْ
بما فقَدْناهُ مِنْ مالٍ ومِنْ نَشَـــبِ
فالمالُ مُكْتَسَبٌ ، والعِزُّ مُرْتَجَـعٌ
إذا النُفوسُ وَقاها الله من عَطَبِ

ولم تزل كذلك تضحك وتلعب إلي أن قَرُبَتْ من بلد الخليفة ، فرمت بدينار إلي الأرض ، ونادتْ :
ـ يا جمال ، إنه سقط منا درهم ، فارفعه إلينا
فنظر الحجاج إلي الأرض ، فلم يجد إلا ديناراً ، فقال :
ـ إنما هو دينار
فقالت : بل هو درهم
قال : بل دينار
قالت : الحمد لله ، سقط منا درهم ، فعوضنا الله ديناراً
فخجل الحجاج وسكت ، ولم يردَّ جواباً
ثم دخل بها علي عبد الملك بن مروان ، وتزوج بها ، وكان من أمرهما ما كان
__________________

66 ـ كيد النساء غلب كيد الرجال

يحكي أم تاجراً ركب رأسه الغرور ، فكتب علي باب دكانه :
« كيد الرجال غلب كيد النساء »
ويبدو أن ذلك لم يرق لصبية حسناء ذات تيه ودلال ، فدخلت دكانه متعللة بشراء بعض الحاجيات ، فصارت كلما طلبت مطلباً تتمايل وتنحني ، وتنعطف وتنثني حتى تظهر مفاتنها وتبث محاسنها ، حتى تمكنت من صاحب الدكان ، وسرقت عقله ، وتلاعبت بعواطفه ، ولم يتمالك نفسه عن سؤالها : « من تكون ؟ » فقالت له :
ـ أنا ابنة قاضي القضاة
قال الشاب : ما أسعد أباك فيك !
قالت : وما أشقاني معه ! إنه يريد أن يبقيني بدون زواج ، فكلما طلبني أحد للزواج قال له : إنني عمياء ، كتعاء ، غير صالحة لمثل هذه الأمور
قال الشاب : أنا أقبلها كما هي : ويكفيني حسبها ونسبها
وتمت الموافقة ، ثم انه أتيحت الفرصة للشاب كي يجتمع بعروسة ، فإذا هي حقيقة عمياء كتعاء ، وأنها ليست تلك المرأة الماكرة الحسناء ، فرجع الشاب إلي دكانه منكسر النفس ، منكس الرأس ، ومَحَا عن بابه العبارة التي أوقعته في المصائب « كيد الرجال غلب كيد النساء » ولم يلبث غير يسير ، فإذا بالصبية الحسناء تقبل عليه من بعيد ، وعلي ثغرها ابتسامة الظفر ، فدخلت وقالت :
ـ الآن قد اعترفت بالحقيقة ، وأقررت َ أن « كيد النساء غلب كيد الرجال »
فأجاب الشاب : ولكن مع الأسف بعد فوات الأوان
فقالت الفتاة : لن أتركك في محنتك ، وخلاصك في يدي ! فما عليك إلا أن تبحث عن جماعة من النَّورْ تطلب منهم أن يزعموا أنك واحد منهم ، وأن يحضروا علي أساس أنهم أقاربك وأصحابك إلي بيت القاضي في يوم العرس
وهكذا كان ، فقد وصل الجماعة في اليوم الموعود بطبل وزمر ، ورقص وأهازيج ، في حين كان القاضي يجلس مع علَّة القوم ، وأشراف المدينة ، فهرع الشاب إلي ملاقاتهم والترحيب بهم ، ولما سأله الحاضرون عن الخبر أجابهم :
ـ أنا منهم ، وهم مني ، ولا أستطيع أن أنكر حسبي ونسبي ولذلك دعوتهم ليحتفلوا بي في يوم عرسي
فصاح به قاضي القضاة : كفي ، ونحن أيضاَ لا نستطيع أن نتخلى عن حسبنا ونسبنا ، قم وانصرف أنت وجماعتك ، وابحث لك عن زوجة من بناتهم ، وعفا الله عما سلف
وفي الغد ذهب الشاب إلي دكانه ، وإذا بالصبية تأتيه ، فاستقبلها هاشا باشاً ، وأخبرها بنجاح مشورتها ، ومكيدتها التي خلصته من شراك تلك المصيبة ، ثم سألها حقيقة نفسها فأخبرته ، فلم يلبث يسيراً حتى ذهب وطلب يدها معترفاً بالهزيمة أمام كيد النساء ، وتدبيرهن الذي لا يقاوم

67 ـ هارون الرشيد والنصراني

قال أبو يوسف القاضي في مرضه الذي مات فيه :
ـ والله ما زنيْتُ قط ، والله ما جُرْتُ في حكم قطْ ، وما أخاف علي نفسي إلا من شيء كان مني ، فقيل له : ما هو ؟
قال : كان هارون الرشيد يأمرني أن آخذ قصص الناس ، فأقرأها ، ثم أوقع لهم فيها بمحْضره ، فكنت آخذها قبل ذلك اليوم ، فأتصفحها ، فجمعتها مرة ، فتصفحتها فإذا بها قصة لنصراني يتظلم من هارون الرشيد في ضيعة في يده يزعم أنه غصبه إياها ، فدعوته فقلت له :
ـ هذه الضيعة في يد منْ هي ؟
قال : في يد أمير المؤمنين
قلت : فمن يجمع غلاتها ؟
قال : أمير المؤمنين
وجعلت كلما أردت منه أن يذكر خصما غير أمير المؤمنين رد الخصومة فيها إلي أمير المؤمنين ، فجعلت قصته مع قصص الناس ، فلما كان يوم المجلس جعلت أدعو بالناس رجلا رجلا ، حتى وقعت قصة النصراني بيدي ، فدعوته ، فدخل فقرأت قصته علي أمير المؤمنين ، فقال :
ـ هذه الضيعة ورثناها عن المنصور
فقلت للنصراني : قد سمعت ما قال ، أَفَلَكَ بينة علي ما تدعي ؟
قال : لا ، ولكنْ خُذْ لي بيمينه
قال : فقلت لأمير المؤمنين : أتَحْلفُ يا أمير المؤمنين ؟
قال : نعم
فحلف فانصرف النصراني
قال أبو يوسف : فما أخاف علي نفسي إلا من هذا
فقيل له : وأيُّ خوفٍ من هذا وقد فعلت الذي فعلت ؟
فقال : مِنْ تَرْكي أن أُقْعدهُ معه في مجلس الخصم

ـ فَلْتَهْنِئكُم هذه النعْمةمر فقيه أهل الحجاز ، عبد الرحمن بن عمار ، بنخاس ومعه فتيات ، فنظر إليهن فتعلق بإحداهنّ ، وكلف بها ، واشتهر بذكرها حتى أتي إليه من يلومه ، فكان جوابه :

يَلُومُني فيكِ أقْوامٌ أُجالِسُهُمْ

فما أُبالي أطالَ اللوْمُ أو قَصُرا

فانتهي خبره إلي عبد الله بن جعفر ، فخرج حاجا بسببه ، وبعث إلي مولي الجارية ، واشتراها منه بأربعين ألفاً ، وأمر قَيِّمَةَ الجواري أن تحليها وتزينها
ولما بلغ الناس قدومه ، حضروا للسلام عليه ، وكان بينهمْ عبد الرحمن بن أبي عمار ، فلما أراد الشخوص استجلسه فقال له :
ـ ما فعل حب فلانة ؟
قال : مشوبٌ باللحْمِ والدم والمخ ، والعظم والعصب
فأمر بالجارية ، فأُخرجت إليه وقال : هي هذه ؟
قال : نعم أصلحك الله
قال : إنما اشتريتها لك ، فوالله ما دنوت منها ، فشأنك بها ، فهي لك مباركة
وأمر له بمئة ألف درهم ، وقال له :
ـ خذ هذا المال لكي تهتم بك ، وتهتم بها
فبكي عبد الرحمن فرحاً ، وقال :
ـ يا أهل البيت قد خصكم الله بأشرف ما خَصَّ به مَنْ مِنْ صُلب آدم ، فَلْتَهْنِئكُمْ هذه النعمة ، وبارك لكم فيها

69 ـ أشعب والشاة

قيل لأشعب:
ـ هل رأيت من هو أطمع منك ؟
قال : نعم ، شاة لي صعدت إلي السطح ، فنظرت إلي قوس قزح فظنته حبل قتّ ، فاندفعت تطلبه ، فسقطت واندقتْ عنقها

70 ـ الشافعي والحلاق

قيل دخل الشافعي إلي « سرَّ منْ رأي » سامراء ، وعليه أثواب رثة ، وطال شعره ، فتقدم من حلاق للشعر ، فاستقذره ، فقال له :
ـ امض إلي غيري
فغضب الشافعي ، فالتفت إلي غلام كان معه ، فقال :
ـ كم معك من النفقة ؟
قال : عشرة دنانير
قال : ادفعها إلي الحلاق
فدفعها الغلام ، فولي الشافعي وهو يقول :

عَلَيَّ ثِيابٌ لــوْ يُبــــاعُ جميعُهــــــا
بِفِلْسٍ لكانَ الَفلْسُ مِنْهُنَّ أكْثَـرا
وفيهُنَّ نَفْسٌ لَوْ يُقــاسُ بِمِثْلِهـــا
نفوسُ الوري كانـت أَجَلَّ وأخْطرا
وما ضَرَّ نَصْلُ السَّيْــفِ إخْلاق غِمْدِهِ
إذا كانَ غَضْباً حيثُ أنْفّذته بري
فإنْ تَكُنِ الأيَّـــامُ أزْرَتْ بِبِـــزَّتي
فكَمْ من حسامٍ في غلافٍ مُكَسَّرا

71 ـ أهْونُ من وقفة بباب نَحْسِ

قال الإمام الشافعي :

لَقَلْعُ ضِرسٍ وَضَرْبُ حَبْسٍ
ونَزْعُ نَفْـسٍ ورَدُّ أمْــسِ
وقَرْعُ بَـرْدٍ وقَوْدُ قِـــرْدٍ
ودَبْغُ جِلْـدٍ بِغَيْرِ شَمْسِ
وأكْلُ ضَـبٍّ وصَيْــــدُ دُبٍّ
وصَرْفُ حُبٍّ بـأرْضِ خِـرْسِ
ونَفخُ نارٍ وحَمْـــلُ عـــارٍ
وبيْعُ دارٍ بِرِبْـعِ فَلْــسِ
وبيْعُ خُفٍّ وَعَــــدْمُ إلْــفٍ
وَضَرْبُ إلْفٍ بحبــل فَلْسِ
أهْوَنُ من وَقْفَـــةِ الحُــــرِّ
يَرْجو نوالاً ببـابِ نَحْسِ

72 ـ وعد

قال بعض علماء البصرة :
ـ كان لنا صديق من أهل البصرة ، وكان عالما ظريفاً أديباً ، فوعدنا أن يدعونا إلي منزله علي غداء عنده ، فكلما رأيناه قلنا :
ـ ﴿ متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾
فسكت ، إلي أن تيسر له أمر الغداء ، فمر بنا ، فأعدنا عليه القول ، فقال :
ـ ﴿ انطلقوا إلي ما كنتم به تكذبون ﴾

ـ عظة طاوس

قدم الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك إلي بيت الله الحرام حاجا ، فلما دخل الحرم قال :
ـ ائتوني برجل من الصحابة
فقيل له : يا أمير المؤمنين قد ماتوا
قال : فمن التابعين
فأُتي بطاوس اليماني ، فلما دخل خلع نعليه بحاشية بساطه ، ولم يسلم بأمير المؤمنين ، ولم يكنه ، وجلس إلي جانبه بغير إذنه ، وقال :
ـ كيف أنت يا هشام ؟
فغضب من ذلك غضباً شديدا حتى همَّ بقتله
فقيل له : يا أمير المؤمنين ، أنت في حرم الله وحرم رسوله ، فلا يكون منك ذلك
ثم التفت إلي طاوس وقال له :
ـ ما حملك علي ما صنعت ؟
قال : ما صنعت ؟
قال : خلعت نعليك بحاشية بساطي ، ولم تسلم علي بـ « أمير المؤمنين » ، ولم تكنني ، وجلست بإزائى بغير إذني ، وقلت : يا هشام كيف أنت ؟
فقال طاوس : أما خلع نعلي بحاشية بساطك ، فإني أخلعهما بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات ، ولا يعاتبني ، ولا يغضب علي ، وأما قولك : لم تسلم علي بأمير المؤمنين ، فليس كل المؤمنين راضين بإمرتك ، فخفت أن أكون كاذباً ، وأما قولك : تكنني ، فإن الله عز وجل سمي أنبياءه فقال : يا داود ، يا يحيي ، يا عيسي ، وكني أعداءه فقال : تبت يدا أبي لهب ، وأما قولك : جلست بإزائي ، فإني سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول : إذا أردت أن تنظر إلي رجل من أهل النار فانظر إلي رجل وحوله قوم قيام
فقال هشام : عظني يا طاوس
فقال : إني سمعت علي بن أبي طالب يقول :
إن في جهنم حياتٍ وعقارب كالبغال تلدغ كل أمير لا يعدل في رعيته ،، ثم قام وخرج

ـ الحاجة

قيل لأحد الفقهاء : ماذا تصنع عند فلان ؟
فقال : إنه مثل المرحاض أذهب إليه إذا كانت لنا إليه حاجة

ـ بُعِثْتُ في الصباح واعتُقلْتُ في المساءادعي أحدهم النبوة في زمن المهدي ، فاعتقله الجند ، وساقوه إلي الخليفة ، فقال له :
ـ أنت نبيٌّ ؟
قال : نعم
قال : إلي منْ بُعِثْت ؟
قال : أَوَ ترَكْتموني أُبْعَثُ إلي أحد ْ ؟ بُعِثْتُ في الصباح ، واعتقلتموني في المساء

76 ـ مسألة فقهيةٌ نحوية

كتب الرشيد إلي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة :
ـ أفْتنا حاطك الله في هذه الأبيات :

فإن ترفقي يا هنْدُ فالرِّفْقُ أيمـنٌ

وإن تَخْرُقي يا هِنْدُ فالخُرْقُ أشْـأمُ
فأنـــــتِ طلاقٌ والطَّـــــلاقُ عزيَــــةٌ
ثلاثــــاً ومَنْ يَخْــــــرُقْ أَعَقُّ وأظْلَمُ
فبيني بها إن كُنْتِ غيرَ رفيقَةٍ
وما لامْرئٍ بَعْـــــدَ الثــــــلاث مُقَدَّمُ
فقد أُنْشِدَ البيتُ « عزيمةٌ ثلاثٌ » و « عزيمةٌ ثلاثاً » فبكم تطلق بالرفع ؟ وبكم تطلق بالنصب ؟
قال : أبو يوسف : هذه مسألة فقهية نحوية ، إن قلتُ فيها بظني لم آمن الخطأ ، وإن قلتُ : لا أعلم ، قيل لي : كيف تكون قاضي القضاة وأنت لا تعرف مثل هذا ؟
ثم ذكرت أن أبا الحسن علي بن حمزة الكسائي معي في الشارع ، فقلت :
ـ ليكن رسول أمير المؤمنين بحيث يكرم ، وقلت للجارية :
ـ خذي الشمعة بيدي
فدخلت علي الكسائي وهو في فراشه ، فأقرأته الرقعة ، فقال لي :
ـ خذ الدواة واكتب :
أما من أنشد البيت بالرفع فقال : « عزيمةٌ ثلاثٌ » فإنما طلقها واحدة وأنبأها أن الطلاق لا يكون إلا بثلاثةٍ ، ولا شيء عليه ، وأما من أنشد « عزيمةٌ ثلاثاً » فقد طلقها وأبانها لأنه كأنه قال : أنتِ طالق ثلاثا
وأنفذت الجواب ، فحُملت إلي الجوائز والصلات آخر الليل فوجهت بالجميع إلي الكسائي

77 ـ الشربة بخمسة

قال الإمام أبو حنيفة :
دخلت البادية ، فاحتجت إلي ماء ، فجاء أعرابي ومعه قربة ملآنة ، فأبي إلا أن يبيعها بخمسة دراهم ، فدفعتها إليه ثم أخذت القربة ، فقلت :
ـ ما رأْيُك يا أعرابي في السويق ؟
فقال : هاتِ
فأعطيته سويقا مبللاً بزيت ، فجعل يأكل حتى شبع ، ثم عطش فقال : عليَّ بشربةٍ
فقلت : بخمسة دراهم علي قدح من ماء ،، فاسترددت الخمسة وبقي الماء

78 ـ احتفظي بالديك

ولي رجل فقير قضاء الأهواز ، فأبطأ عليه رزقه ، وحضر عيد الأضحى وليس عنده ما يضحي به ، فشكا ذلك إلي زوجته ، فقالت :
ـ لا تغتم ، فإن عندي ديكا جليلاً سمنته ، فإذا كان العيد ذبحناه
ولما كان العيد ، وأرادوا ذبح الديك طار علي سطح الجيران ، فطلبوه وفشا الخبر بين الجيران ، وكانوا ميسورين ، فرثوا لحال القاضي ، فأهدي إليه كل واحد منهم كبشاً ، فاجتمعت له في داره أكبش كثيرة ، وهو في المصلي لا يعلم
فلما صار إلي منزله ورأي ما فيه من الأضاحي سأل زوجته
ـ من أين هذا ؟
فقالت : أهدي لنا فلان وفلان .. وحكت له ما حدث
فقال : ويحك ، احتفظي بديكنا هذا فما فُدي إسماعيل بن إبراهيم إلا بكبشٍ واحد ، وقد فُدي ديكنا بهذا العدد