من حكايا العرب ........

1 ـ بين فتاة وشاب

خرج رجل يتنزه علي جسر دجلة ، فأقبلت امرأة من جانب الرصافة ، متوجهة إلي الجانب الغربي ، فاستقبلها شاب فقال لها :
- رحم الله علي بن الجهم
- فقالت المرأة في الحال : رحم الله أبا العلاء المعري
وتابعت سيرها مشرقة ن ومر هو مغربا ، فتتبع الرجل المرأة وقال لها :
- إن لم تقولي لي ما قلتما ، وإلا فضحتك ، وتعلقت بكِ
- فقالت : قال الشاب : رحم الله علي بن الجهم ، وأراد به قوله :
عيون المها بين الرصافــــة والجسر
جلبنَ الهوى منْ حيثُ أدري ولا أدري
وأردت بترحمي علي المعري قوله :

فيا دارها بالحزنِ إن مزارهــــا
قريبٌ ، ولكن دون ذلك أهْوالُ

2 ـ أول الحب شجار

كان جميل بن معمر يرعي إبله في وادي ( بغيض ) فجاءت ابنة عمه بثينة فنفرت إبله ، فتشاتما ، فعلق قلبه بحبها ، وصور تلك الحادثة بقوله :

وأول ما قاد المـــودة بيننـــا
بواد بغيضٍ يا بثينَ سِبـــابُ
فقلنا لها قولاً ، فجاءت بمثلهِ
لكلِّ كــــلامٍ يا بُثيْنَ جــــواب

3 ـ المهلب وجاريته

نظر المهلب بن أبي صفرة إلي فتي يكلم احدي جواريه ، فدعا الجارية ن وقال لها :
- ما حملك علي كلام من رأيتِ ؟
فقالت : يا سيدي :

لأنَّ لهُ مِنْ محْــضِ قلبي مـــودَّةً
لها تحتَ أحْناء الضُّلوعِ خفوقُ
إلي غيرِ سوءٍ فاعْلَمَنَّ كلامُنا
ولكن لشوقٍ ، والمُحبُّ مشوقُ

فدعا الفتي ، فقال له : ما حملك علي كلام هذه ؟
فقال :

لأن لها في القلب مني محبَّةَ
وفي طي صدري لوْعةٌ وحريقُ
وإني لأهواها علي كل حالــةٍ
وإني إليها ما حييتُ أتــوقُ

قال المهلب :

لعمـري إني للمحــبين راحـــمٌ
وإني بحفظ العاشقين حقيقُ
سأجمـعُ منكم شمل ودٍ مُبَدَّدٍ
فإني بمــــا قد تَرْجوانِ خليقُ

ثم وهبها له ، وأمر له بخمسة آلاف دينار

4 ـ الرشيد والجارية

قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي : دخلت علي الرشيد وعنده جارية قد أهديت له ، ماجنة ، وشاعرة ، وأديبة ، وبين يديه طبق فيه ورد ، فقال لي :
- أما تري حسن هذا الورد ونضرة لونه ؟
قلت : بك والله حُسنَ ذلك ، يا أمير المؤمنين
قال : قل فيه بيتا يشبهه
فأطرقت ساعة ثم قلت :

كــأنه خــــدَّ مَوْمـــــوقٍ يُقَبِّلُهُ
فمُ الحبيبِ وقد أبْدي بهِ خجلا

فاعترضتني الجارية ، وقالت :

كأنــه لــوْنُ خدي حينَ تدفعني
كفُّ الرشيدِ ، لأمرٍ يوجبُ الغُسُلا

فقال الرشيد : قم يا إسحاق ، فقد حركتني هذه الفاسقة

5 ـ خذ ثوابك من الله

يحكي أن رجلاً كان قبيح المنظر ، له أنف أقبح من الأخنس والأفطس والأجدع ، تزوج فتاة ظريفة ، ولما طلبها إلي ما يريد الرجل من المرأة امتنعت ، فمناها ، وأظهر لها وأراعها بكل حيلة فلم تُجب ، فقال لها :
خبريني ما الذي يمنعك ؟
قالت : قبح أنفك ، وهو يستقبل عيني ، فلو كان أنفك في قفاك لكان أهون علي
فقال لها : جعلتُ فداك ، الذي بأنفي ليس هو خلقة ، وإنما هو ضربة ضربتها في سبيل الله تعالي
فقالت ، واستغرقت ضحكاً :
ـ أنا لا أبالي في سبيل الله كانت ، أو في سبيل الشيطان ، إنما هو قبح ، فخذ ثوابك علي هذه الضربة من الله تعالي ، أما مني ... فلا

6 ـ أنت الحسن

قال أبو نواس :
ـ استقبلتني امرأة فأسفرت عن وجهها ، فكانت غاية في الحسن والجمال ، فقالت لي :
ـ ما اسمك ؟
قلت :
ـ وجهك
فقالت :
ـ إذن أنت الحسن

7 ـ طلق خمس في ساعة

قال أحدهم للرشيد : بلغني يا أمير المؤمنين ، أن رجلا من العرب طلق في يوم خمس نسوة ، وإنما يجوز ملك الرجل علي أربعة نسوة ، فكيف طلق خمساً ؟
قال : كان لرجل أربع نسوة ، فدخل عليهن يوما فوجدهن متلاحيات ، متنازعات ، وكان سيئ الخلق فقال :
ـ إلي متى هذا التنازع ؟ ما أخال هذا الأمر إلا من قبلك ، مشيراً إلي إحداهن ، اذهبي فأنت طالق !
فقالت له صاحبتها : عجلت عليها بالطلاق ، ولو أدبتها بغير ذلك لكنت حقيقا
فقال لها : وأنت أيضاً طالق
فقالت له الثالثة : قبحك الله ، فوالله لقد كانتا إليك محسنتين ، وعليك مفضلتين
فقال : وأنت أيتها المعددة أياديهما طالق أيضاً
فقالت له الرابعة : وكانت هلالية ، وفيها أناة شديدة :
ـ ضاق صدرك عن أن تؤدب نساءك إلا بالطلاق !
فقال لها : وأنت طالق أيضاً !
وكان ذلك بمسمع جارة له ، فأشرفت عليه ، وقد سمعت كلامه ، فقالت :
ـ والله ما شهد العرب عليك ، وعلي قومك بالضعف لما بَلَوْهُ منكم ، ووجدوه فيكم ، أبيت إلا طلاق نسائك في ساعة واحدة !
قال : وأنت أيضاً ، أيتها المؤنبة المتكلفة طالق عن أجاز زوجك ، فأجابه من داخل بيته :
قد أجزتُ ، قد أجزتْ ، قد أجزتْ

8 ـ حلال وطيب

قالت عجوز لزوجها : أما تستحي أن تزني وعندك حلال طيب ؟
فقال لها : أما حلال فنعم ، وأما طيب فلا

من حكايا العرب ........ W6w200504131346006b16fab97

9 ـ حديث حب

دعيت أبا الحارث جميز امرأة كان يحبها ، فجعلت تحادثه ولا تذكر الطعام ، فلما طال ذلك به قال :
ـ جعلني الله فداك ، لا أسمع للغداء ذكراً !
فقالت : أما تستحي ؟ أما في وجهي ما يشغلك عن ذا ؟
قال : جعلني الله فداك ، لو أن جميلاً وبثينة قعدا ساعة لا يأكلان شيئاً لَبَزَقَ كل واحد منهما في وجه الآخر وافترقا

10 ـ زدنا في الوزن نزدك في الحب

دخل بصري مدينة بغداد ، فالتقي بجارية جميلة فَهَوِيَها ، فلم يزل يكتب إليها فلا تجيبه ، فكتب إليها يوماً رقعة يشكو فيها شدة شوقه وولعه بها ، وفي آخرها يقول :

هل تعْلميـــنَ وراء الحُــبِّ منْزلةً
تُدني إليْكِ ، فإنَّ الحبَّ أقصاني

فكتبت إليه :

نَعـــمْ حبيبي وراءَ الحـــبِّ منـزلةٌ
بذْلُ الدراهِمِ يُرضي كـــلَّ إنسـانِ
من زاد في الوزنِ زدنا في محبَّتهِ
ما يَطلبُ الدَّهــــر إلا فَضل رُجحــــانِ

11 ـ مثل هذا

قال الجاحظ لتلاميذه :
ـ ما أخجلني إلا امرأة أتت بي إلي صائغ ، فقالت :
ـ مثل هذا
فبقيت حائراً في كلامها ، فلما ذهبت سألت الصائغ ، فقال :
ـ استعملتني أن أصنع لها صورة عفريت ، فقلت : لا أدري كيف أصوره ، فأتت بك

12 ـ خصال لا نرضاها لبنات إبليس

قيل : خطب خالد بن صفوان امرأة فقال :
ـ أنا خالد بن صفوان ، والحسب علي ما قد علمته ، وكثرة المال علي ما قد بلغك ، وفي خصال سأبينها لك ، فتقدمين عليّ أو تدعين
قالت : وما هي ؟
قال : إن الحرة إذا دنت مني أملتني ، وإذا تباعدت عني أعلتني ، ولا سبيل إلي درهمي وديناري ، ويأتي عليّ ساعة من الملال لو أن رأسي في يدي نبذته
فقالت : قد فهمنا مقالتك ن ووعينا ما ذكرت ، وفيك بحمد الله خصال لا نرضاها لبنات إبليس ، فانصرف رحمك الله

13 ـ إياك والمزاح

قال احدهم : خرجت في بعض الليالي السود ، فإذا جارية كأنها صنم ، فراودتها عن نفسها فقالت :
ـ يا هذا ألك زاجر من عقل إذا لم يكن لك زاجر من دين ؟
فأخجلتني ، فقلت لها : إنما كنت مازحاً
فقالت :

وإيــاك إياك المِــــــزاح فإنـــــهُ
يطَمِّعُ فيكَ الطَّفل والرجلَ النذلا
ويُذهب ماءَ الوجـــهِ بعـــــدَ حيائهِ
ويُرثُ بَعْــدَ العــــزِّ صـــــاحبه ذُلا

14 ـ دواء للفزع

كان أشعب يزور مرارا جارية في المدينة ، ويُظهر لها التعاشق ، فسألته مرة سُلفة نصف درهم ، فانقطع عنها ، وكان إذا لقيا في الطريق سلك طريقا آخر ، فصنعت له نشوقا ، وأقبلت به إليه ، فقال لها :
ـ ماذا هذا ؟
قالت : نشوق عملته لك لهذا الفزع الذي بك
فقال لها : اشربيه أنت للطمع الذي بك ، فلو انقطع طمعك انقطع فزعي ، وأنشأ يقول :

أخْلِـــــفي ما شِئتِ وعْــــدي
وامنحيني كُـــــلَّ صَـــــــدِّ
قد سلا بعـــــدك قلبـــــي
فاعشقي من شئتِ بعدي
إنني آليــــتُ لا أعْشــــــقُ
من يَعْشَـــــــق نقــــــــدي

15 ـ رأس أمك ورأس أبي

اشتري رجل رأسين ، فوضعهما بين يدي امرأته ، وقال :
ـ اقعدي لنأكل
فأخذت رأساً ، فوضعته خلفها ، وقالت : هذا لأمي
فأخذ الرجل الرأس الآخر ، ووضعه خلفه وقال : هذا لأبي
قالت : فما نأكل ؟
قال : ضعي رأس أمك ، وأضع رأس أبي فنأكلهما

16 ـ كلام الليل يمحوه النهار

قيل : إن الأمين ، وقيل الرشيد ، كان يتجول في قصر له ، إذ مر بجارية له سكري ، وعليها كساء خزّ ، تسحب أذيالها ، فوعدته أن تزوره في اليوم التالي ، فلما كان الغد ، مضي إليها ، وقال لها : الموعد .
فقالت : يا أمير المؤمنين ، أما علمت أن كلام الليل يمحوه النهار
فضحك ، وخرج إلي مجلسه ، وسأل عمن بالباب من الشعراء ، فقيل له :
ـ مصعب ، والرقاشي وأبو نواس
فأمر بهم ، فدخلوا ، فلما جلسوا بين يديه قال :
ـ ليقل كل واحد منكم شعراً يكون آخره ( كلام الليل يمحوه النهار )
فانشأ الرقاشي يقول :

متى تصْحــو وقلبُـــكَ مسْتـــــطارُ
وقـــد مُنـــعَ القـــــرارُ فلا قــــرارُ
وقــــدْ تركَتْكَ صبَّــــاً مُسْتهاما
فتــــــاةٌ لا تــــــــزورُ ولا تُـــــــزارُ
إذا اسْتَنْجَزْتَ منها الوَعْدَ قالتْ
كـــــلامُ الليل يمحـــــــوهُ النهارُ

وقال مصعب :

أتَعْــــذلني وقلْبي مُسْتــــطارُ
كئيبٌ لا يقِـــــرُّ لــــهُ قــــــــرارُ
يُحِبُ مليـــــحةً صــــادتْ فؤادي
بألْحـــاظٍ يُخالِطهـــا احْـــــوِرارُ
ولما أن مَـــــدَدْتُ يــــدي إليها
لألْمســـها بدا منهـــــــــا نِفارُ
فقلتُ لها : عِديني منكِ وَعْداً
فقالتْ : في غدِ منـــــكَ المزارُ
فلما جِئتُ مُقتضيـــاً أجــــــابتْ
كلامُ الليل يمحـــوهُ النــــهارُ

وقال أبو نواس :

وخودٍ أقْبَلَتْ في القصْرِ سكري
ولكـــن زَيَّــــنَ السُّكرَ الوقــارُ
وهَزَّ المشــيُ أردافـــــاً ثقـــــالاً
وغُصْنا فيـــــهِ رُمّــــانٌ صغــــارُ
وقد سَقَطَ الرِّدا عن مِنْكبيْها
منَ التَّجْــــميشِ وانْحــــلَّ الإزارُ
فقُلتُ الوَعْدَ سيدتي ، فقالتْ :
كلامُ الليـل يمحــوهُ النــــــهارُ

فقال له : أخزاك الله ، أكنت معنا ، ومُطلعا علينا
فقال : يا أمير المؤمنين ، عرفت ما في نفسك ، فأعربت عما في ضميرك
فأمر له بأربعة آلاف درهم ، ولصاحبيه بمثلها

19 ـ المصيبة علي الخمار

اجتمع أبو نواس بصديق له ، وكان فارغ الجيب ، وصديقه لا يملك إلا درهماً ، فقال الصديق
ـ يا أبا نواس ، إنّ الخمرة رائجة في هذه الأيام ، فهل تعرف خماراً نشتري منه زجاجتي خمر ، تكونان بمثابة رأس مال لنا ، نبيعهما ، فنحتفظ بالربح ، ونعيد إليه الثمن
فقال أبو نواس:
ـ صدقت ، هيا بنا ، فأنا أعرف تاجراً يعطينا زجاجتين علي الحساب
ثم ذهبا إلي التاجر ، وأخبراه بما عزما عليه ، فأعطي كل واحد منهما زجاجة ، وذهبا إلي شط بغداد علي نهر دجلة حيث يكثر المتنزهون ، وولجا الرياض الغناء ، فلم يفلحا في بيع الزجاجتين ، فقال الصديق :
ـ لنفتح باب البيع عسانا نتوفق إلي رزق جديد
ثم اخرج الكأس وقال :
ـ افتح زجاجتك أولا ، وبع لي بهذا الدرهم كأساً واحداً من خمر زجاجتك
فأخذ منه الدرهم ، وفتح الزجاجة ، وملأ الكأس وناوله لصاحبه ، فشربها جرعة واحدة ، وقال :
ـ يا لها من خمرة معتقة ، لقد روت غليلي
فمد أبو نواس يده إلي صاحبه وقال :
ـ خذ هذا الدرهم ، وأعطني أنت أيضاً كأسا من زجاجتك
فأخذ الصديق الدرهم ، وفتح زجاجته وناوله الكأس ، فشربها ، وهو مبتهج ، وقال :
ـ يا لها من خمرة لذيذة !
ومازال علي تلك الحال حتى أفرغا الزجاجتين من الخمر ، وبعد أن انتهيا من الشرب قال أبو نواس :
ـ الحمد لله ، لقد شربت الخمرة دون أن أخسر شيئاً
فقال الصديق :
ـ وأنا شربت حتى ثملت ، ولا يزال الدرهم معي
فابتسم أبو نواس ، وقال :
ـ كلانا كسب ، والمصيبة لم تقع إلا علي الخمار الذي خسر ما أعطاني وأعطاك

ـ هارون الرشيد والبرمكية
قيل : دخلت امرأة علي هارون الرشيد وعنده جماعة من وجوه أصحابه فقالت :
ـ يا أمير المؤمنين ، أقر الله عينك ، وفرحك بما آتاك ، وأتم سعدك ، لقد حكمت فقسط
فقال لها :
ـ من تكونين أيتها المرأة ؟
فقالت :
ـ من آل برمك ، ممن قتلت رجالهم ، وأخذت أموالهم ، وسلبت نوالهم
فقال :
ـ أما الرجال فقد مضي فيهم أمر الله ، ونفذ فيهم قدره ، وأما المال فمردود إليك
ثم التفت إلي الحاضرين من أصحابه ، فقال :
ـ أتدرون ما قالت المرأة ؟
فقالوا : ما نراها قالت إلا خيراً
قال : ما ظنكم فهمتم ذلك ، أما قولها : أقر الله عينيك أي أسكنها عن الحركة ، وإذا سكتت العين عن الحركة عميت ، وأما قولها : وفرحك بما آتاك ، فأخذته من قوله تعالي﴿ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة ﴾ وأما قولها : وأتم سعدك ، فأخته من قول الشاعر :

إذا تمَّ أمرٌ بـــدا نقصــــهُ
تَرَقَّبْ زوالاً إذا قيل : تمْ

وأما قولها : لقد حكمت فقسطت ، فأخذته من قوله تعالي :﴿ وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ﴾
فتعجبوا من ذلك

21 ـ منام أبي دلامة

دخل أبو دلامة علي المنصور فأنشده :

إني رأيتك في المنــام
وأنتَ تُعْطينـي خيـــارَهْ
مملـــــــــوءةً بِدراهِــــــــمٍ
وعليْكَ تأْويلُ العبــارةْ

فقال المنصور : امضي فأتني بخيارة أملأها لك دراهم ودنانير
فذهب أبو دلامة إلي السوق وأحضر أكبر قرعة توجد هناك ، فلما رآه المنصور مقبلاً قال له : ما هذا ؟
قال : امرأتي طالق إن كُنْتُ رأيْتُ قرعة ، ولكني نسيتُ فلما رأيْتُ القرعة في السوق ذكرتها

22 ـ الوليد وسُعْدي

طلق الوليد بن يزيد زوجته سُعدي ، وكان يحبها كثيراً ، ولما تزوجت اشتد عليه ذلك ، وندم علي ما كان ، فدخل عليه أشعبْ فقال له :
ـ هل لك أن تبلغ سُعْدي رسالة ، ولك عندي خمسة آلاف درهم
قال : عجلها
فأمر بها ، فلما قبضها قال : هات رسالتك
قال : ائتها وأنشدها:

أَسُعْدي هَلْ إليكِ لنا سَبيلُ
ولا حتّى القيـــامَةَ مِنْ تَـــلاقِ
بلي ولَعَلَّ دَهْــــراً أن يُؤاتي
بِموتٍ مِنْ خليــــلكِ أو فـراقِ

فاتاها ، واستأذن عليها ، فأذنت له ، وقالت : ما بدا لك في زيارتنا يا أشعب ؟
قال : يا سيدتي ، أرسلني إليك الوليد برسالة
وأنشدها الشعر ، فقالت لجواريها :
ـ عليكُنّ بهذا الخبيث
فقال : يا سيدتي ، جعل لي علي ذلك خمسة آلاف درهم
قالت : والله لأعاقبنك ، أو تبلغه ما أقول
قال : يا سيدتي اجعلي لي أجراً
قالت : لك بساطي هذا
قال : قومي عنه
فقامت ن وأخذه وألقاه علي ظهره ، وقال : هاتي رسالتك!
قالت له :

أَتَبْكي علي سُعْــدي وأنْتَ تركْتــها
فقدْ ذهبت سُعْدي فماذا أنْتَ تَصْنَعُ ؟

فلما بلغه الرسالة ضاقت عليه الأرض بما رحبت ، واغتاظ غيظاً شديداً ، ثم قال لأشعب : اختر مني احدي ثلاث : إما أن أقتلك ، وإما أن أطرحك من هذا القصر ، وإما أن ألقيك إلي تلك السباع فتفترسك
فتحير أشعب ، وأطرق قليلاً ثم رفع رأسه ، وقال:
سيدي ، ما كنت لتعذب عيناً نظرت لسعدي ، فتبسمْ وخلي سبيله

23 ـ المنصور وأبو دلامة السجين

خرج أبو دلامة من بعض الحانات ليلا سكران ، فلقيه العسس ، فأخذوه ، وقالوا له : من أنت وما دينك ؟
فقال :

ديني علي دينِ بني العبَّاس
ما خُتِمَ الطِّــنُ علي القرْطـــاسِ
إني اصْطَبَحْتُ أربعاً بالكاسِ
فَقَدْ أدارَ شُــــرْبها براســــي

فهل بما قلتُ لكُمْ مِنْ باسِ ؟
فأخذوه ومضوا : وخرقوا ثيابه وساجه ، وأتي به إلي أبي جعفر المنصور ، فأمر بحبسه مع الدجاج
ولما أفاق أبو دلامة جعل ينادي غلامه مرة ، وجاريته أُخري ، فلا يجيبه أحد ، ولا يسمع إلا صوت الدجاج وزقاء الديوك ، ولما علا صياحه ، قال له السجان : ما شانك ؟
قال : ويلك من أنت ، وأين أنا ؟
قال : في الحبس ، وأنا فلان السجان
قال : ومن حبسني ؟
قال : أمير المؤمنين
قال : ومن مزق طيلساني ؟
قال : العسكر
فطلب منه أن يأتيه بدواة وقرطاس ، ففعل ، فكتب إلي المنصور :

أميرَ المؤمنين فّدّتْــكَ نفسي
عَلامَ حبَسْتنــي وَخَرقْـتَ ساجي
أَمِنْ صَفــراءّ صافيـــة المِــــزاجِ
كأنَّ شُعــاعها لَهَـــبُ السِّراجِ
وقــد طُبِخَتْ بِنـــار اللهِ حتـــى
لقد صارتْ منَ النُطَفِ النِضــاجِ
تَهَشُّ لها القلوبُ وتشْتهيها
إذا بَرَقَتْ تَرَقرَقُ في الــزجاج
أُقاد إلي السجونِ بِغيْرِ جُــرْمٍ
كأني بَعْضُ عُــــمَّال الخــــراجِ
ولو مَعَهُمْ حُبِسْتُ لكان سَهْلاً
ولكني حُبِسْتُ مــــع الدَّجـــاجِ
وقد كانتْ تُخَبِّرُني ذنــوبي
بأني من عِقابِكَ غيرُ نـــاجي
عـــلي أني وإن لاقيْتُ شــــراً
لِخَيْركَ بَعْدَ ذاكَ الشَّرِّ راجي

فدعا به وقال : أين حُبِسْتَ يا أبا دلامة ؟
قال : مع الدجاج
قال : وماذا كنت تصنعُ ؟
قال : أُقَوْقِئْ معهن حتى أصبحت
فضحك ، وخلي سبيله
ولما خرج قال الربيع : إنه شرب الخمر يا أمير المؤمنين ، أما سمعت قوله « وقد طُبِخَتْ بنار الله » يعني الشمس
فأمر برده ثم قال : يا خبيث شربت الخمر ؟
قال : لا
قال : ألم تقل « وقد طُبِخَتْ بنار الله » ؟
قال : لا والله ما عنيت إلا نار الله الموقدة التي تطلع علي فؤاد الربيع
فضحك المنصور ، وقال : خذها يا ربيع ولا تعاود التعرض

24 ـ أخذت نصيبي

أرق الرشيد ذات ليلة أرقا شديدا ً ، فقال لوزيره جعفر البرمكي :
إني أرقْتُ في هذه الليلة ، وضاق صدري ، ولم أعرف ما أصنع
فضحك خادمه « مسرور » الذي كان واقفا ، فقال له :
ـ ما يضحك ؟ استهزاءً بي أم استخفافاً ؟
فقال : ما فعلت ذلك عمداً ، بل تذكرت بعض حديث ابن المغازلي المضحك ، فضحكت ، والعفو عند أمير المؤمنين !
فقال الرشيد : ائتني به الساعة
فخرج مسرور مسرعاً غلي أن جاء إلي ابن المغازلي فقال له : أجبْ أمير المؤمنين
فقال : سمعاً وطاعة
فقال له : بشرط انه إذا أنعم عليك بشيء يكون لك منه الربع والبقية لي
فقال له : اجعل لي النصف ، ولك النصف
فأبي ، فقال : الثلث لي ، ولك الثلثان
فأجابه إلي ذلك بعد جهد عظيم
ولما دخل ابن المغازلي علي الرشيد وسلم ، قال الرشيد : إن أضحكتني أعطيتك خمسمئة دينار ، وإن لم تضحكني أضربك بهذا الجراب
وظن ابن المغازلي في نفسه أن الجراب فارغ ، فوقف يتكلم ويتمسخر ، ويفعل أفعالاً عجيبة تضحك الجلمود ، فلم يضحك الرشيد ، ولم يبتسم ، فتعجب ابن المغازلي وضجر ، فقال الرشيد : الآن استحققت الضرب
ثم أخذ الجراب ، ولفه ، وكان فيه أربع أحجار ، زنة كل واحد منها رطلان ، فلما وقعت الأولي في رقبته صرخ صرخة كبيرة ، وافتكر الشرط الذي شرطه عليه مسرور ، فقال : العفو يا أمير المؤمنين ، اسمع مني كلمتين :
قال : قل ما بدا لك
قال : إن مسرور شرط علي شرطا ، واتفقت أنا وإياه علي مصلحةٍ ،وهو أن ما حصل لي من الصدقات يكون له فيه الثلثان ، ولي فيه الثلث ، وما أجابني إلي ذلك إلا بعد جهد عظيم ، وقد شرط علي أمير المؤمنين ثلاث ضربات ، فنصيبي منها واحدة ، ونصيبه اثنتان ، وقد أخذت نصيبي وبقي نصيبه ، فضحك المنصور ودعا مسروراً ، فضربه ، فصاح وقال : يا أمير المؤمنين قد وهبت له ما بقي
فضحك الرشيد ، وأمر لهما بألف دينار

25 ـ قد فعلت

قال معاوية لعبد الله بن عباس : لي عندك حاجة أفتقضيها ؟
فقال له بن العباس : ولي عند حاجة يا أمير المؤمنين ، أفتقضيها لي ؟
فقال له : نعم
فقال بن عباس : سل حاجتك يا أمير المؤمنين
قال : أن تهب لي دورك وضياعك التي بالطائف
قال : قد فعلت
فقال له معاوية : قد وصلت الرحم ، فسل حاجتك
قال : حاجتي إليك أن تردها إلي
قال معاوية : قد فعلت

27 ـ ممنْ أنت ؟

سأل عبد الملك بن مروان رجلا من بني تميم قائلا : ممن أنت ؟
فقال : من الذين قال شاعرهم :

إذا غضبت عليك بنو تميمٍ
حسبتَ الناسَ كلَّهُمُ غِضابا

فقال عبد الملك :
ومن أيهم أنت ؟
قال من الذين قال فيهم الشاعر :

يزيدُ بَنو سَعْدٍ علي عددِ الحصي
وأثْقلُ منْ وزْنِ الجبــــالِ حُلُـــوما

قال : فمن أيهم أنت ؟
قال : من الذين يقول لهم الشاعر :

فلا وأبيكَ مــا ظلَـــــمَتْ قُريْــــــعٌ
بأنْ يبنوا المَكارمَ حيْثُ شاؤوا

قال : من الذين يقول فيهم الشاعر :

قوْمٌ هُمُ الأنْفُ والأذْنابُ غيْـــرُهُمُ
ومنْ يُسوِّي بأنْفِ الناقَةِ الذَّنبا

فقال عبد الملك : اجلس ، والله لقد خفت أن تفخر عليّ

28 ـ رقية عبد الملك

قيل : دخل عبد الله بن جعفر علي عبد الملك بن مروان يتأوه ، فقال :
يا أمير المؤمنين لو أدخلت عليك من يؤنسك بأحاديث العرب وفنون الأسحار ؟
قال : لست صاحب هزل ، والجد من علتي أحجي بي
قال : وما علتك يا أمير المؤمنين ؟
قال : هاج بي عرق النسا في ليلتي هذه فبلغ مني
قال : فإنَّ بديحا مولاي أرقي الناس
فوجه إليه الملك من يأتي به ، فلما دخل عليه قال أمير المؤمنين :
كيف رقيتك من عرق النسا ؟
فمد عبد الملك رجله ، فتفل عليها ، وهَمْهَمَ ورقاها مراراً ، فقال عبد الملك :
الله أكبر ، وجدت والله خفة وراحة يا غلام ، ادعُ لي فلانة حتى تكتب الرقية ، فإنا لا نأمن هياجها بالليل فلا نزعج بديحاً
فلما جاءت الجارية قال بديح : يا أمير المؤمنين ، امرأته طالق عن كتبتها حتى تُعجل عطائي
فأمر له بأربعة آلاف درهم ، فلما صار المال بين يديه قال : وامرأته طالق إن كتبتها أو يصير المال إلي منزلي
فأمر فحُمل المال إلي منزله ، فلما أحرزه قال : يا أمير المؤمنين ، امرأته طالق إن كنتُ قرأت علي رجلك إلا بيت نُصَيْبْ :

ألا إن ليـــلي العامريــــة أصْبَحَـــتْ
علي النأي منِّي ذَنْب غيري تَنْقُمُ
قال : ويلك ما تقول ؟
قال عبد الله : امرأته طالق إن كان رقاك إلا بما قال
قال : فاكتمها علي
قال : وكيف ذاك وقد سارت بها البرد إلي أخيك بمصر ؟
فطفق عبد الملك ضاحكا يفحص رجليه

29 ـ قدر

قيل لبدوية حسناء ، ولها زوج قبيح :
ـ يا هذه ، أترضين أن تكوني تحت هذا ؟
فقالت : يا هذا ، لعله أحسن فيما بينه وبين ربه فجعلني ثوابه ، وأسأت أنا فيما بيني وبين ربي فجعله عذابي ، أفلا أرضي بما رضي الله به ؟!!